الأناجيل الأربعة – الطبعة الكاثوليكية

إنجيل متى | إنجيل لوقا | إنجيل مرقس | إنجيل يوحنا

الكتاب المقدس – الطبعة المشتركة

العهد القديم | العهد الجديد

مقدّمات العهد الجديد الترجمة المشتركة

ولِدَ تيموثاوس في لسترة من بلاد ليقونة في آسية الصغرى، من أمٍّ يهوديّة وأبٍ يوناني. ولمّا عادَ بولس إلى لسترة اتّخذَ تيموثاوس رفيقاً ومعاوناً له، حين رأى أنّ المسيحيين هناكَ يشهدونَ له بحسن السيرة.

ورسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس هي قبل كلّ شيء تحذيرٌ من انتشار التعاليم الباطلة في الكنيسة، تلكَ التعاليم التي كانت خليطاً من الآراء اليهوديّة وغير اليهوديّة وقائمة على أساس الاعتقاد أنّ العالم الخارجي شرّ كلّه وأنّ الخلاص لا يتمّ إلاّ بنوع سري خاص من المعرفة وبممارسة بعض الشعائر كالامتناع عن الزواج وعن بعض أنواع الطعام. وتتضمّن الرسالة وصايا متفرّقة من بولس إلى ثيموثاوس في حسنِ تنظيم الإدارة في كنيسة أفسس والصفات التي يجب أن يتحلّى بها الأساقفة والشمامسة. ويصف بولس لتيموثاوس كيفَ يكون خادماً صالحاً ليسوع المسيح، وما هي واجباته نحو مختلف جماعات المؤمنين.

تتضمّن رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس وصايا خصوصيّة على الأكثر، فكرتها الأساسيّة وجوب المثابرة على الشهادة ليسوع المسيح بتعاليم الإنجيل والعهد القديم. ويشجّع بولس معاونه تيموثاوس على القيام بواجبه كمعلّم ومبشّر رغمَ الآلام والصعوبات، ويحذّره من خطر العلماء الكذّابين وحججهم الجاهلة الحمقاء التي لا تؤدّي إلاّ إلى خراب الّذين يصغونَ إليها.

وفي كلّ هذا، يذكّر بولس تيموثاوس كيف كانت سيرته قدوة في الإيمان والصبر والمحبّة والمثابرة وتحمّل آلام الاضطهاد.

كانَ تيطس غير يهودي، هداه بولس إلى الإيمان بالمسيح واختاره رفيقاً ومعاوناً له. ورسالة بولس إلى تيطس إيضاح للمهمّة التي تركه في كريت لأجلها، وهي تنظيم الكنيسة هناك.

تتناول الرسالة ثلاثة أمور: الأوّل تذكر تيطس بالصفات التي يجب أن يتحلّى بها رعاة الكنائس، وخصوصاً لما عُرف عن أهل كريت من سوء السمعة. والثاني إرشاد تيطس إلى طريقة تعليم مختلف الفئات في الكنيسة: الشيوخ والعجائز، ثمّ الشباب والعبيد. والثالث تذكير تيطس بما يجب أن تكون عليه السيرة المسيحيّة من سلامٍ ومودّة وابتعاد عن البغض والجَدل والشقاق.

كان فيلمون عضواً بارزاً في كنيسة كولوسي، وله عبد اسمه أُونسيمُس، هرب من سيده فالتقى ببولس في السجن . ولما هداه بولس إلى الأيمان بالمسيح كتب هذه الرسالة إلى فيلمون يناشده فيها أن يصفح عن عبده العائد إليه ويقبله عنده، لا كعبد صفح عنه، بل كأخ في المسيح .

الرسالةُ إلى العبرانيين موجّهة إلى جماعة من المسيحيين لاقوا من شدّة الاضطهاد ما جعلهم في خطر الارتداد عن إيمانهم المسيحي. ويحاول كاتب هذه الرسالة أن يشجّعهم على الثبات في الإيمان، بإقناعهم أنّ يسوع المسيح هو ابن الله وصورة جوهره، تعلّمَ طاعة أبيه بالآلام التي تَحمّلها. وهو بصفتهِ ابن الله متفوّق على أنبياء العهد القديم والملائكة وموسى نفسه، بل إن الله نفسه أعلنه كاهناً إلى الأبد أعظم من كهنة العهد القديم. فالإيمان بالمسيح يخلّص الإنسان من الخطيئة والخوف والموت، لأنّ المسيح هو الذبيحة الحقيقيّة التي تجاوزت كلّ ذبائح الحيوانات في الديانة اليهوديّة.

ثمّ يناشد الكاتب أولئكَ الذينَ يخاطبهم برسالته هذه أن يثبتوا في الإيمان كما ثبتَ أبطال العهد القديم الّذينَ صبروا على المحن وهم ينتظرونَ المسيح. والآن جاءَ المسيح وهو عن يمين الله يشفع فيهم وينتظر أن ينضمّوا إليه إذا تمسّكوا بالإيمان به وتغلّبوا على المحن والتجارب التي تتهدّدهم.

رسالة يعقوب مجموعة من الإرشادات العمليّة، وجّهها إلى “جميع شعب الله المشتت في العالم كلّه”، وغايته منها أن يشجّعهم على تحمّل الصعوبات والتمسّك بالتقوى. تناول الكاتب كثيراً من الفضائل المسيحيّة ودعاهم إلى التحلّي بها، كحسن السيرةِ والمعاملة، وتجنّب الطمع بالمال، وحفظ اللسان من كلام السوء، والحكمةُ الصادقة، وإنصاف الفقير والعامل، والتواضع، والصبر، والصلاة.
ولكن الرسالة تتميّز بالإصرار على أنّ الإيمان الصادق يجب أن يقترن بالأعمال الصالحة في الديانة المسيحيّة.

كتبَ بطرس رسالته الأولى إلى المسيحيين الّذين دعاهم “شعب الله” المشتتين في شمالي آسية الصغرى. والغاية الرئيسية من هذه الرسالة هي التشجيع على تحمّل الاضطهاد والعذاب في سبيل الإيمان. ولبلوغ هذه الغاية يذكِّر الكاتب قارئيه بالبشارة بيسوع المسيح الّذي حملَ موته وقيامته وعودته الرجاء إلى العالم. ولذلك عليهم أن يقبلوا كلّ اضطهاد، واثقينَ بأنّه امتحان لصدق إيمانهم، وبأنّهم سينالونَ المكافأة عليه “يوم يظهر يسوع المسيح”. وإلى جانب هذا التشجيع، يدعو الكاتب إلى الاقتداء بسيرة الّذين ينتمون إلى المسيح.

رسالة بطرس الثانية موجّهة إلى أوساط واسعة من المسيحيين، وغايتها محاربة المعلّمين الكذّابين والفجور الّذي تؤدّي إليه تعاليمهم. والردّ المسيحي الصحيح عليهم وعلى تعاليمهم هو في التمسّك بمعرفة الله والربّ يسوع المسيح معرفةً صحيحة، هذه المعرفة التي ينقلها الّذين رأوا المسيح وسمعوه، وأكثر ما يهتمّ به بطرس في رسالته هذه هو ما زعمه بعضهم من أنّ المسيح لن يعود مرّةً ثانية، فيقول إنّ التأخّر الظاهر في المجيء الثاني ناتج عن أنّ الله لا يريد أن يهلكَ أحد، بل أنّ يتوب جميع الناس عن خطاياهم.

رسالة يوحنا الأولى لها غايتان: التشجيع على الحياة في شركة مع الله ومع ابنه يسوع المسيح، والتحذير من التعاليم الباطلة الّتي من شأنها هدم هذه الشرِكة، لأنّها تعاليم تزعم أنّ الشرّ ينتج عن الاحتكاك بالعالم الطبيعي، ولذلكَ لا يمكن أن يكون المسيح قد صارَ بشراً. فالخلاص، إذاً، هو بالتحرّر من هموم الحياة في هذه الدنيا، ولا شأنَ له بمسائل الأخلاق أو محبّة الإنسان للإنسان.

وفي الردّ على هذه التعاليم الباطلة، يؤكّد يوحنّا أنّ يسوع بالفعل صارَ إنساناً، وأنّ الّذينَ يؤمنون بيسوع ويحبّون الله يجب أن يحبَّ بعضهم بعضاً.

رسالة يوحنا الثانية كتبها “الشيخ” إلى “السيدة وأبنائها” الّذين هم على الأرجح الكنيسة هناك وأعضاؤها. وهذه الرسالة الموجزة هي دعوةٌ إلى المحبّة وتحذير من المعلّمين الكَذبة وتعاليمهم.

رسالة يوحنا الثالثة كتبها “الشيخ” إلى راعي إحدى الكنائس واسمه غايس، فيمتدحه لمساعدته سائر المسيحيين ويحذّره من رجلٍ اسمه ديوتريُفُس.

كتبَت رسالة يهوذا للتحذير من المعلّمين الكَذبة الّذين يدّعونَ الإيمان. وهي تشبهُ بمحتواها رسالة بطرس الثانية، فتشجّع المؤمنين على متابعة الجهاد في سبيل الإيمان الّذي وهبه الله مرّةً واحدة لشعبه.

كُتبت رؤيا يوحنا في وقتٍ كانَ فيه المسيحيون مضطهَدين لإيمانهم بيسوع المسيح. وأكثر ما يهمّ المؤلّف في كتابة هذا أن يشيّع الأمل والرّجاء والتمسّك بالإيمان في أوقاتِ الشدّة والآلام.

تتألّف “الرؤيا” من رؤى متتابعة أعربَ عنها الكاتب بأسلوبٍ رمزيّ كان يفهمه المسيحيّون دونَ سواهم في تلكَ الأيّام. ومع أنّ هناك اختلافاً في تفسير تفاصيل هذه الرؤيا، إلاّ أنّ الفكرة الأساسيّة واضحة، وهي أنّ الله سينتصر بالمسيح يسوع في نهاية الأمر على جميع أعدائهِ، ومنهم إبليس، وسيكافئ شعبه الأمين ببركات سماء جديدة وأرض جديدة، حينَ يتمّ النصر الكامل.

تعلنُ بشارة البشير متى أنّ يسوع هو المخلّص الذي وعدَ الله به شعبه في العهد القديم. وبشارته هذه لا تقتصر على الشعب اليهودي الذي وُلِدَ يسوع وعاشَ بينه، بل تتعدَّاه إلى العالم كلّه . يتّصف أسلوب البشير متى بحسن التبويب، فيبدأ بميلاد يسوع وينتهي بصلبهِ وقيامته، مروراً بمعموديّته وتجربته على يدِ إبليس، وشفائه المرضى في الجليل وصعوده من الجليل إلى أورشليم، والأحداث التي جرَت له فيها خلال الأسبوع الأخير. وممّا عنيَ به البشير متى عناية خاصّة، إظهار يسوع على أنّه المعلّم العظيم الذي له سلطة تفسير شريعة الله وإعلان ملكوت الله. ويتألّف معظم تعليمه من خمسة أقسام:

  1. عظة يسوع على الجبل، وهي تتناول فضائل أهل ملكوت السماوات وما لهم وما عليهم من حقوق، والمصير المجيد الذي ينتظرهم (الفصل 5-7)
  2. وصايا يسوع لتلاميذه الاثني عشر عندما أرسلهم يبشّرون بملكوت الله (الفصل 10)
  3. أمثال يسوع عن ملكوت الله (الفصل 13)
  4. معنى الفضائل المسيحيّة (الفصل 18)
  5. زوال العالم ومجيء ملكوت الله (الفصل 24 – 25).

الإنجيل كما دوّنه البشير مرقس هو “البشارة بيسوع المسيح ابن الله”، ويظهر في تعليمه وسلطانه على الأرواح الشريرة وغفرانه لخطايا البشر كرجل فِعْلٍ وسُلطةٍ وهو في الوقت ذاته ابن الإنسان يسوعَ المسيح الذي جاءَ ليبذلَ نفسه فِدية عن خطايا الناس.
يروي مرقس سيرةَ يسوع بأسلوبٍ موجز صادق، فيركّز على أعمال يسوع أكثر مما يركّز على أقواله وتعاليمه. وهو بعد أن يتكلّم بإيجاز عن يوحنا المعمدان والمعموديّة وتجربة يسوع، يسارع إلى سرد معجزات يسوع وأعماله وتعاليمه. ويُرينا مرقس كيف ازدادَ تلاميذ يسوع فهماً له مع مرور الأيّام، فيما تعاظم عداءُ خصومه. ويختمُ مرقس كيف ازدادَ تلاميذ يسوع فهماً له مع مرور الأيّام، فيما تعاظم عداء خصوه. ويختمُ مرقس هذه السيرة بسردِ الأحداث التي جرَت ليسوع في الأسبوع الأخير من حياته الأرضيّة، وخصوصاً صلبه وقيامته.

تَعتبر بشارة البشير لوقا أن الربّ يسوع هو المخلّص الموعود لليهود، ومخلّص البشريّة جمعاء في آنٍ معاً. ويرى لوقا أنّ روح الربّ دعا يسوع ليبشّر المساكين. لذلكَ نجده كثيرَ الاهتمام بجميع المحتاجين. وتسودُ نبرة الفرح سلامَ لوقا بخاصّة في الفصول الأولى التي تعلنُ مجيء يسوع، ثمّ في الخاتمة حين يصعد يسوع إلى السماء.

يحتوي القسمان 2 و 6 معظم ما انفردَ هذا الإنجيل بتدوينه دونَ سائر الأناجيل، أي بشارة الملاك لزكريا وبشارته لمريم ومولد يوحنا وميلاد يسوع وصعوده إلى الهيكل في الثانية عشرة، ومثل السامري الصالح ومثل الابن الضال وكلام يسوع على الصلاة. وأعارَ لوقا الروح القدس ومغفرة الله للخطايا اهتماماً خاصاً.

يسوع في بشارة البشير يوحنا كلمة الله الأزلي الذي “صارَ بشراً وعاشَ بيننا”. وغاية يوحنّا في ما دوَّنه هي “لتؤمنوا بأنّ يسوع هو المسيح ابن الله ” لأنَّ مَن آمنَ به “نال باسمه الحياة”. (20 : 31).

يروي القسم الأوّل، بعد مقدّمة يقرن فيها كلمة الله بيسوع، عدّةَ معجزات تبيّن أنّ يسوع هو ابن الله، المخلّص الموعود. ويتبع ذلك تفسير لمغزى هذه المعجزات وكيف أنّ بعض الناس آمنوا بيسوع فصاروا تلاميذه، فيما قاومه البعض الآخر ورفضوا أن يؤمنوا به. وتروي بعض الفصول (13 – 17) بكثير من التفصيل ما كان بين يسوع وتلاميذه من رابطةٍ وثيقة ليلةَ القبض عليه، كما تروي كلامَ يسوع لتهيئة تلاميذه وتشجيعهم قبيلَ صلبه. وتسرد الفصول الأخيرة خبرَ القبض على يسوع ومحاكمته وصلبه وقيامته، ثمّ ظهوره لتلاميذه بعد قيامته.

يتكلّم يوحنا بإصرار على نعمة الحياة الأبديّة بالمسيح، هذه النعمة التي تبدأ الآن وتكون من نصيب الذين يؤمنون بأنّ يسوع هو الطريق والحقّ والحياة. ويتميّز يوحنا باستعمال أشياء الحياة العاديّة ليرمز بها إلى الحقائق الروحيّة، كاستعماله للخبز والماء والنور والراعي ورعيّته والكرمة وثمرها.

كتاب أعمال الرّسل تكملة للإنجيل كما دوّنه لوقا، وهو يروي كيفَ نشرَ التلاميذ الأُوَل، بهداية الرّوح القدس، بشارة يسوع المسيح “في أورشليم واليهوديّة كلّها والسامرة حتى أقاصي الأرض”. وحرِصَ المؤلّف على أن يؤكّدَ لمعاصريه أنّ الإيمان المسيحي لا ينطوي على أيّ خطر سياسي يهدّد الإمبراطوريّة الرومانيّة.

يمكن تقسيم الكتاب ثلاثة أقسام:

  1. بداءة النشاط المسيحي في أورشليم بعد صعود يسوع
  2. إنتشار الإيمان المسيحي في سائر أنحاء فلسطين
  3. زيادة انتشاره في حوض البحر الأبيض المتوسّط حتى رومة.

يتميّز كتاب أعمال الرّسل بعمل الروح القدس الذي يحلّ بقوّة على المؤمنين في أورشليم يومَ الخمسين، ثمّ يبقى ليهديهم ويقوّي الكنيسة وقادتها في خلال الأحداث التي يرويها الكتاب. ويوجز الكتاب تعليم المسيحيين الأُوَل في عدد من العِظات والأخبار، ليظهر قوّة هذا التعليم في حياة المؤمنين وشركتهم في الكنيسة.

كتبَ بولس هذه الرسالة تمهيداً لذهابهِ إلى رومة وهو في طريقه إلى إسبانية. وكان يأمل أن ينالَ من كنيسة رومة عوناً على متابعة سفرهِ إلى إسبانيا، كما كان ينوي عندَ وصولهِ إلى رومة أن يعلّم المسيحيين الذين فيها ويشجّعهم ويشاركهم في إيمانهم. فكتبَ هذه الرسالة الطويلة ليشرح لهم فيها الإيمان المسيحي ومعانيه للحياة في المسيح، فجاءَت تُعرب عن العقيدة المسيحيّة على أتمّها. يفتتح بولس رسالته بتوجيه التحيّة والمديح إلى كنيسة رومة على إيمانهم، ويذكر الفكرة الأساسيّة في الرسالة وهي أن بشارة يسوع تُظهر كيفَ يبرّر الله الإنسان بالإيمان وحده، أيهوديّاً كانَ أم غير يهوديّ. فالبشر كلّهم في حاجةٍ إلى التبرير، لأنّهم جميعاً تحت سلطان الخطيئة. وهذا التبرير لا يكون إلاّ من عند الله بيسوع المسيح.

ثمّ يصف بولس الحياة الجديدة في المسيح، هذه الحياة التي ينعمُ بها كلّ مَن برّره الله بالإيمان، فيحيا في سلام مع الله ويتحرّر بالروح القدس من سلطان الخطيئة والموت, ويتحدّث بولس عن غاية شريعة الله وقوّة روح الله في حياة المؤمن، فيتصدّى للمسألة الهامّة وهي كيفَ ينسجمُ اليهود وغيرُ اليهود مع تدبير الله للبشر ويخلص إلى القول إنّ رفض اليهود للمسيح هو جزء من تدبير الله ليجعل نعمةَ الله في المسيح يسوع في متناول جميع البشر، ومنهم اليهود الذين لا بدَّ لهم يوماً ما من الإيمان بيسوع . ويشرح بولس في آخر رسالته كيفَ يجب أن تكونَ الحياة المسيحيّة، وبخاصّة من جهة المحبّة التي يجب أن تربِط جميع الناس بعضهم ببعض. ويتناول بولس بعض المسائل كخدمة الله وواجب المسيحيين تجاه الدولة وواجب بعضهم نحو البعض الآخر، ويختم بتوجيه تحياته الخاصة ورفع آيات الحمد لله.

كتبَ بولس هذه الرسالة لمعالجة المشكلات التي نشأت في الكنيسة، بشأن الحياة المسيحيّة والإيمان المسيحي. وكانت كورنثوس في ذلكَ الزمن مدينة يونانيّة كبرى وعاصمة ولاية آخائيّة الرومانيّة، اشتهرت بتجارتها المزدهرة وثقافتها الرفيعة وفجورها الذائع الصيت ودياناتها المتنوّعة.

وأكثر ما اهتمَّ به بولس في هذه الرسائل هو المسائل المتعلّقة بالانشقاق والخلاف في الكنيسة، وبالزنى والزواج، ويما يتّصل بالضمير والنظام في الكنيسة، والمواهب التي يمنحها الروح القدس، والقيامة. فيظهر بعمق بصيرته كيف أنّ البشارة تجيب عن هذه المسائل.

ولعلَّ “نشيد المحبّة” في الفصل 13 أشهر ما في هذه الرّسالة.

كتبَ بولس الرسالة الثانية إلى كنيسة كورنثوس في فترةٍ توتّرت علاقته بها، لأنّ بعض أعضاء الكنيسة قاموا بهجوم شديد عليه. ولكنّ بولس في هذه الرّسالة يظهر ميله العميق إلى المصالحة، ويُعرِب عن فرحه العظيم إذا تحققت.

يتحدّث بولس في القسم الأوّل من الرسالة عن علاقته بكنيسة كورنثوس، ويشرح لماذا ردَّ بقساوة على الإهانةِ والمعارضة اللتين لقيهما من الكنيسة، ثمّ يُعرِبُ عن ارتياحه لأنّ قساوته هذه أدّت على التوبة والمصالحة. وينتقل بولس إلى مناشدة الكنيسة أن تتبرّع بشيء للمؤمنين في اليهوديّة، ثمّ يختمُ رسالته بالدفاع عن رسوليّته في وجه بعض الذينَ ادّعوا في كورنثوس أنّهم رسلٌ حقيقيّون، وأنّ بولس رسولٌ كاذب.

عندما أخذَ الإنجيل ينتشر ويحظى بترحيب غير اليهود، نشأ السؤال: هل العمل بشريعة موسى شرطٌ على المؤمن الحقيقي بالمسيح. فرأى بولس أن يبرهن على أنّ هذا لا ضرورةَ له، لأنّ الأساس الصحيح للحياة في المسيح هو الإيمان الذي به يبرّر الله البشر جميعاً. ولكنّ بعض الناس في غلاطية، الولاية الرومانيّة في آسيا الصغرى، عارضوا رأي بولس وزعموا أنّ على المؤمن أن يعملَ بشريعةِ موسى ليبرره الله.

ورسالة بولس إلى كنائس غلاطية غايتها أن تهدي إلى الإيمان الصحيح أولئكَ الذينَ أضلّهم هذا التعليم الخاطئ. فيبدأ بولس بالدفاع عن حقّه في أن يدعى رسول يسوع المسيح، بخلافِ ما يزعمُ بعض الناس بأنّه رسولٌ كاذب. ويصرّ بولس على أنّ رسوليّته جاءَت من الله لا من أيّ سلطةٍ بشريّة، وأنّه مدعوٌّ للعملِ خصوصاً بينَ غير اليهود. ثمَّ يُسهبُ بولس في شرحِ نظرتهِ أنّ الإنسان لا يتبرّر بالإيمان، ويخلصُ إلى إقامةِ الدليل على أنّ السيرة المسيحيّة تنبعُ من المحبّة الصادرة عن الإيمان بالمسيح.

يوضح بولس في رسالته إلى كنيسة أفسس تدبير الله لتوحيد الخليقة كلّها في السماء وفي الأرض، عندما يحين الوقت، برئاسة المسيح. فكلّ شيء إنّما يتمّ بحسب تدبير الله ومشيئته.

ففي القسم الأوّل يتحدّث بولس عن هذه الوحدة، فيتكلّم على الطريقة التي اختار الله بها شعبه، وكيفَ غفرَ لهم خطاياهم بابنه يسوع المسيح، وكيف حَفِظَ الله وعده العظيم على يد الروح القدس. وفي القسم الثاني يدعو بولس المؤمنين إلى سيرةٍ مقدّسة يكونون فيها متّحدينَ بالمسيح اتحاداً حقيقياً.

يستعمل بولس عدّة استعارات ليبيّن وحدة المؤمنين في المسيح: فالكنيسة هي جسد والمسيح رأسها، أو هي بناء والمسيح حجرها الأساسي، أو هي امرأة والمسيح زوجها. ويبلغ كاتب الرسالة ذروة البيان في التعبير، حين يثيره التفكير بنعمة الله بالمسيح، فيتدفّق كلامه غناءً وشعراً. وهو يرى كلّ شيء من خلال محبّة المسيح وتضحيته وغفرانه ونعمته وقداسته.

كانت فيلبي مدينةً في ولاية مكدونيّة الرومانية، أنشأ فيها بولس أوّل كنيسة في مدينة أوروبيّة. ورسالته هذه إلى كنيسة فيلبي كتبها وهو في السجن، في وقت أقلقته فيه معارضة عمال السوء له وأحزنه ما شاعَ في الكنيسة من تعاليم كاذبة. ومع ذلك، فهذه الرسالة تمتاز بالفرح والثقة الّلذين لا يمكن تفسيرهما إلاّ بإيمان بولس العميق بيسوع المسيح.

كان الدافع الأوّل لكتابة الرسالة أنّ بولس تلقّى من الكنيسة معونةً ماليّة كانَ في أشدّ الحاجة لها، فأرادَ أن يشكرهم على معونتهم واغتنمَ هذه الفرصة ليشجّعهم ويدعوهم إلى الثقة والاطمئنان رغمَ المتاعب التي يواجهونها ويواجهها هو نفسه، وليناشدهم أن يقتدوا بالمسيح في تواضعه لأنّ التواضع خيرُ وسيلةٍ للحفاظ على الوحدة والوفاق، وأنّ حياتهم في المسيح هي نعمةٌ من الله حصلوا عليها بالإيمان، لا بالخضوع لتقاليد الشريعة اليهوديّة.

هذه الرسالة هي عنوان الفرح والثقة والثبات في الإيمان بالمسيح وفي الحياة المسيحيّة. وهي تعرب أيضاً عن محبّة بولس العميقة لكنيسة فيلبي.

كانت كولوسي مدينةً في آسية الصغرى، تقع في شرقي مدينة أفسس. وما كانَ بولس هو الذي أنشأ كنيسة كولوسي، لكنّه وجدَ نفسه في منطقة شعر بواجب نحوها، فكتبَ إليها هذه الرسالة بعدما سمعَ أنّ فيها أناساً ينشرونَ آراءً غريبة، خلاصتها أنّ السبيل إلى معرفة الله والخلاص التامّ هو في عبادة الملائكة والتقشّف في الطعام والشراب ومراعاة بعض السنن اليهوديّة كالختان والأعياد والسبوت وما إلى ذلك.

يلخص بولس في رسالته هذه الآراء في ضوء مبادئ المسيحيّة الصحيحة، فيقول أنّ يسوع المسيح قادر على منح الخلاص وإن تلك الآراء والشعائر تبعد عنه. فبهِ خلقَ الله العالم، وبهِ صالحَ العالم، وبغيرهِ لا خلاصَ للعالم.

كانت تسالونيكي عاصمةَ ولاية مكدونية الرومانيّة، أنشأَ فيها بولس هذه الكنيسة بعدما تركَ مدينة فيلبي. وكانَ في المدينةِ جماعةٌ من اليهود حرّضوا سكّانها على بولس وعلى كلّ مَن آمنَ بالمسيح، فاضطرّ إلى تركها والذهاب إلى بيرية ومنها إلى كورنثوس. وفي كورنثوس كتبَ رسالته الأولى إلى كنيسة تسالونيكي، حينَ عادَ تيموثاوس منها ونقلَ إليه أخبارها.

في هذه الرسالة يهنّئ بولس كنيسة تسالونيكي ويشجّعهم على الثبات في إيمانهم ويذكّرهم كيفَ كانت سيرته عندما كانَ بينهم، ثمّ يردّ على ما أبداه بعض المؤمنين من قلقٍ على مصير اللذين يموتون قبلَ عودة المسيح: هل ينالونَ الحياة الأبديّة بفضل مجيئه الثاني؟ ومتى سيجيء؟ فيشدّد بولس إيمانهم ويدعوهم إلى العملِ الهادئ المثمر، على رجاء عودة المسيح.

كتبَ بولس رسالته الثانية إلى كنيسة تسالونيكي حينَ علمَ أنّ المؤمنين هم في حيرةٍ من جهةِ تحديد يوم رجوع الربّ يسوع واعتقد بعضهم أنّه رجع. فيصحح بولس هذا الرأي بالقول لهم إنّ يومَ الربّ لا يجيء إلاّ بعد أن يبلغ الشرُّ والفساد منتهاهما بظهور “ابن الهلاك” الّذي هو عدو المسيح.

ويؤكّد بولس حاجة المؤمنين إلى الثبات في إيمانهم رغمَ الاضطراب والعذاب، فيتمكّنوا من كسب الرزق، كما يعمل هو ومعاونوه، ومن المثابرة على العمل الصالح.